تقرير الجلسة الجلسة العلمية الثانية
:تقرير الجلسة العلمية الثانية لمؤتمر البعد الإنساني
بناء الإنسان وحوار المشاريع الفكرية والحضارية

في إطار فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثالث الذي تنظمه مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تحت شعار “البعد الإنساني في الفكر الإسلامي المعاصر الإمام عبد السلام ياسين نموذجا”، تم في يوم السبت 4 جمادى الأولى 1442/ 19 دجنبر 2020، عقد الجلسة العلمية الثانية التي سيّر فقراتها الأستاذ عبد الرحمان خيزران في موضوع: “بناء الإنسان وحوار المشاريع الفكرية والحضارية”.
في المداخلة الأولى “البعد الإنساني في مقاربة قضية المرأة عند الأستاذ عبد السلام ياسين”، أوضحت الدكتورة صباح العمراني -الباحثة في العلوم السياسية وقضايا المرأة- أن قضية المرأة ظلت حاضرة في جل كتابات الإمام المجدد رحمه الله، وقد تناولها بشجاعة نادرة تتحدى قرون الانحطاط، قرون الطغيان والاستبداد، وضيق الفقه المنحبس وتخلفه.
ويؤكد الإمام رحمه الله على اشتراك المرأة والرجل في حقيقة التكريم الإلهي، ذلك أن الله تعالى كرم الإنسان وسخر له كل المخلوقات، وأن الخطاب الرباني ينادي الرجل والمرأة كليهما للعمل الصالح والجزاء الأكمل في الدنيا والآخرة: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَىٰ وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
المؤمنون والمؤمنات -كما يرى الإمام- أكفاء في شرع الله من حيث التكليف بميزان العدل، فلا ترفع كفة على أخرى إلا بالتقوى، ولكن البعض ممن يشكك في المساواة التي كفلها الإسلام يستشهد بالآية الكريمة ” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، فالإيمان بهذه الآية الكريمة هو إيمان بالقرآن، وأي تشكيك بها فهو كفر بواح.
الرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين، للرجل وظيفته في السعي على الرزق والعيال والكد في ذلك. وللمرأة مهمتها في رعاية الفطرة. كما يعتبر الانسان في مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين محور عملية التغيير ووسيلته وهدفه، وبناء الانسان وإعادة تربيته هي الطريق الصحيح للتغيير الحضاري المنشود، فهو أساس كل التحولات الإنسانية التي تهدف إلى تحقيق العمران الاخوي، ” عمران لأن الله تعالى استعمرنا في الأرض واستخلفنا فيها إلى حين. وأخوي لئلا ينسى المومن أنه أخ المومن في الدين، وأخ الإنسان في الإنسانية، يُسعده في الدنيا والآخرة أن يعيش الناس في سلام وأمن منه إذ سلم المسلمون من لسانه ويده، والمومن من سلم الناس من لسانه ويده.”
وقاربت مداخلة الدكتور محمد الزاوي الباحث في الفكر الإسلامي ومشاريع التجديد محور “الفكر الإنساني عند الإمام عبد السلام ياسين بين مقصدي الحفظ والكمال”. ذلك أن الإمام رحمه الله ينطلق في استجلائه للحقيقة الإنسانية من النظرة القرآنية التي أحلَّت الإنسان محل التكريم والتفضيل، وأناطت به وظيفة الخلافة في الأرض، واعتبرته خليفة. ومقتضى الخلافة هو إفراد الله تعالى بالعبادة.

كما أشار الدكتور الزاوي إلى أن الإمام يصعد بالإنسان إلى أفق كماله كأفق الأنبياء المعصومين وأفق الملائكة المطهرين. وهنا يعلي الإمام عبد السلام ياسين من شأن الإنسانية قاطبة؛ فالإنسانية عنده هي الرابطة الأم التي لا ينبغي للإنسان المؤمن أن يتنكَّر لرَحِمِها بانصرافه عن مقتضيات الرحم التي ينبغي أن تربط الإنسان بأخيه الإنسان.
وقدم الدكتور محمد سلمي الباحث في علم الاجتماع مداخلته التي عنونها بـ: “الإنسان في المشروع الفكري للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله”، مبينا أن الرجل كان معلما مربيا مرشدا، صاحب رؤية ومنهجية واضحتين، طبعت كتاباته وأقواله وسلوكه.
وقد كان الإمام في خطابه ينطلق مما يجمع الناس ولا يفرقهم؛ مع الشيعة والسلفية والصوفية، مع الحركات الإسلامية المختلفة، مع اليساريين والليبراليين والغربيين، مع المستشرقين والمُغَربين، مع غير المسلمين، مع الشعوب والحكام، مع الأغنياء والفقراء، مع الحقوقيين والسياسيين ومختلف النخب، ومع الناس جميعا. فكان رحمه الله يبحث عن المشترك مع الآخر كيفما كانت خلفياته وحيثياته.
وفي المداخلة الختامية أبرزت الدكتورة وفاء توفيق في محور “حرية المرأة في الفكر المنهاجي” أن المرأة كانت ولا تزال في رأس قائمة المستضعفين والمظلومين عبر تاريخ البشرية. إلا في لحظات تاريخية مستثناة أهمها العصر النبوي الشريف ومرحلة الخلافة الراشدة.

وسيزداد وضع المرأة ترديا إثر عهد الاستعمار واللائكية والحداثة والإباحية، حين هجمت علينا واقتحمت ديارنا رياح التغريب والإباحية واللائكية، التي تدعي تهمّمها بالواقع المزري الذي ترزح تحت وطأته المرأة، وتزعم عتقها من ربقة دين هي فيه كم مهمل وأداة ترفيه ومتعة، تروم إقناع المرأة أن المدخل الأوحد إلى التحرر هو التخلص من التقيد بالدين وأحكامه، والتمرد على سلطوية المجتمع .
غير أن الإمام رحمه الله أكد في مواطن كثيرة على أن استرجاع المرأة المسلمة حريتها الحقيقية، واستردادها لمكانتها الريادية رهين بالوقوف على الأسباب الجوهرية التي كانت وراء انحدارها، تحت تأثير ما ابتليت به الأمة المحمدية من آثار الانكسار التاريخي والاستعمار الغربي.
وبعد تقديم الأوراق البحثية، كانت للمشاركين والمتابعين فرصة للمناقشة، إسهاما في إغناء المداخلات بإضافات نوعية دقيقة، تعلقت ببناء الإنسان ومطلبي حفظه وكماله وتحرير المرأة ودعوتها للإسهام في صناعة المستقبل.